كيف يُقسِّم المعتكِف وقتَه في المسجد ؟
على أيّ حال؛ المعتكِف-كما قلتُ سابقا-يَكون بيْن صلاةٍ وذِكْرٍ لله-تبارك وتعالى-وتلاوةٍ لِكتابه ودراسةٍ لِلعلم وتدريسٍ له، وهذا لا يَمنع أن يَكون-أيضا-يَأخذ قِسْطا مِن الراحة، فإنّ الإنسان يُطالَب أن يُريح جسمه، فللجسم حقّ عليه ومِن حقّ الجسم أن يُريحه وذلك بِأن ينام، فلا يُمنع المعتكِف أن ينام في معتكَفه بل ذلك حقٌّ عليه لِجسمه، إذ لو أرهَق نفسه بِحيث قَضَّى وقته كلَّه في العبادة مِن غير ينام ولا قليلا لأدّى ذلك إلى أن يَنقطِع بِه السير، والمنْبَت-كما قيل-لا أرضا قَطَع ولا ظَهْرا أبقى، لأنه لا يَصِل إلى مكان و-أيضا-يُرهِق نفسه التي هي بِمثابة مَطِيته، فلذلك كان جديرا بِالإنسان أن يُريح نفسه، ولذلك يَنبغي لِلمعتكِف الذي يَعتكِف في شهر رمضان المبارَك أن يَأخذ قِسْطا من الراحة بِحيث ينام في أوائل الليل، وينبغي أن ينام مبَكِّرا بعد صلاة التراويح لِيَستعدَّ لِلتهجد، فإنّ صلاة التهجد هي صلاة حَرِية بِأن يُحافَظَ عليها، وابن عباس-رضي الله عنه-قال: ” والتي ينامون عنها هي أفضل ” يعني صلاة التهجد هي أفضل مِن صلاة التراويح، لأنّ فيها المشقّة ولأنها تُصادِف الثلثَ الأخير من الليل والثلثُ الأخير من الليل هو مَظنَّة استجابة الدعاء ورفع الدرجات وتحقيق الأمنيات، والله-سبحانه وتعالى-أثنى على المستغفِرين بِالأسحار.
وبعد صلاة الفجر يَنبغي له أن يَتلو ما تَيسّر مِن كتاب الله.
وبعد ذلك-أيضا-يُقَضِّي وقتَه إمّا في قراءة كتاب الله أو في الصلاة، فإذا جاء وقتُ الضحى-مثلا-أخذ يُصلي صلاة الضحى.
ثم بَعد ذلك لا حرج عليه أن يَشتغِل بِقراءة كتبِ العلم .. كتبِ الفقه، كتبِ التفسير، كتبِ الحديث.
حتى ولو اشتغَل بِتأليف شيءٍ مِن الكتب وهو في معتكَفه ذلك لا يَتنافى مع اعتكافه، لأنّ هذا الاشتِغالَ نفسَه عبادة وقُرْبَة إلى الله تعالى.
كذلك لو كان يُجيب على الفتاوى وهو في معتكَفه لا حرج.
وكذلك إن كان قاضيا وارتفع إليه الخصوم وهو في معتكَفه فإنه يَفصِل ما بينهم .. لا يُمنَع مِن أن يَفصل بين الخصوم، لأنّ ذلك مِن القُرُبات إلى الله تعالى، إذ إيصال ذي الحق إلى حقِّه مِن القُرُبات التي تُقَرِّب الإنسان إلى ربه سبحانه وتعالى.
ويأخذ-أيضا-في النهار قِسْطا مِن الرّاحة، حيث يَنام بِقدر ما يُرِيح جسدَه.
ويُحافِظ على الدعاء أدبارَ الصلوات، ويُحافِظ على الدعاء في وقتِ السَّحَر ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران: من الآية17) ، ويُحافِظ على الدعاء في الأوقاتِ التي هي مَظنَّة الإجابة، كآخر ساعة مِن يوم الجمعة، فإنّ في الجمعة ساعة يُستجاب فيها الدعاء، والعلماء مختلِفون فيها على نحو خمسين قولا، ولكن لعلّ أكثرَهم يُرجِّح أنها آخرُ ساعة، وهذا من باب الترجيح فحسبُ، إذ لا دليلَ يَقطَع بِذلك، لأنها أُخفِيَتْ-كما قلتُ-في ضِمْن ساعات يوم الجمعة.
و-كذلك-إن كان هذا المعتكِف عنده ملَكة وقدرة على التعليم فإنّ قيامه بِالتعليم وهو في معتكَفه .. تعليمِ العلم النافع وتوجيهِ الناس إلى الخير ذلك مما يُطلَب مِنه، ومِمّا يُعدُّ مِن القُرُبات التي تُقَرِّبُه إلى الله.
و-كما قلتُ-إنما عليه أن يَتجنَّب إقحامَ أمور الدنيا وهو في معتكَفه، فإنّ إقحامَ أمورِ الدنيا وهو في معتكَفه يُؤدِّي بِه إلى أن يَقع في المحظور، وذلك يُؤدِّي إلى أن يَخسَر أكثرَ مِمّا يَربَح، أو إلى ألاّ يَعودَ بِشيءٍ مِن الربح أو ألاّ يُوازِي الرِّبحُ خسارتَه؛ والله المستعان.